[ضمن سلسلة ”كتب“ التي تعنى بالإصدارات الجديدة. تنشر ”جدلية“ مقابلة ومقاطع من كتاب ”العدالة الإجتماعية والعمران“ وهو إصدار جديد لفريق ”مبادرة الحق في السكن“ عن وزارة الإسكان الظل. تتصدر مقاطع الكتاب مقابلة مع الباحث يحيى شوكت، وهو عضو فريق ”مبادرة الحق في السكن“، تتناول أبرز النقاط التي جاءت في الكتاب. يذكر أنه يمكن تنزيل الكتاب بالكامل كنسخة ”بي دي أف“ بإذن من فريق ”مبادرة الحق في السكن“.]
جدلية: ماهي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
يحيى شوكت: الكتاب دليل عن القضايا العمرانية الملحة. تمّ تقسيمه إلى أربعة أبواب تعكس أربعة مواضيع رئيسة. يعالج الباب الأول إدارة العمران، وتحديداً دور المؤسسات وطرق استغلالها للموارد المخصصة للعمران، والاعتبار الذي تعطيه للعدالة الجغرافية والقطاعية عند توزيع هذه الموارد من جهة، وموقف السكان من مراكز صنع القرار التي تمس حياتهم اليومية من جهة أخرى. يتطرّق الباب الثاني إلى عملية التخطيط، وتحديداً التقسيم المؤسسي للهيئات المعنية وعلاقتها بالسكان، بالإضافة إلى نقد الخطط الكبرى والمشاريع القومية التي تم تخطيطها بطريقة فوقية ومنعزلة عن المجتمعات التي وعدت بخدمتها، والنظر في غالبيتها التي فشلت في تحقيق أهدافها الاجتماعية. يتناول الباب الثالث حال المجتمعات العمرانية وقدرتها على تحديد أهم القضايا التي تمسّ أمن وإستقرار سكانها، كحيازة الأراضي وخطر الإنهيار ومستوى البنية التحتية. أما الباب الرابع، فيتناول المسكن نفسه، ويبحث في مدى ملاءمة المساكن الحالية، وينظر في عملية إنتاج السكن والمعايير الأساسية لمسكن يناسب إحتياجات الأسر المصرية.
جدلية: كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
يحيى شوكت: للأسف، غالبية الكتب التى تتناول العمران المصري كتبها متخصصون ومهنيون، وإن حصل وخاطبت جمهوراً أوسع، فهي بالإنجليزية. لذا يهدف "العدالة الاجتماعية والعمران" إلى تقديم مرجع عربي متاح لجمهور عمري وفكري واسع، سواء تضمن طلاباً مهتمين بالعمران أم سكان المدن والقرى الراغبين في معرفة الآليات التي تتحكم في بيئتهم. وهذا دفع بفكرة جعل المحتوى مفتوحاً ومتوفراً على الإنترنت.
جدلية: كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟ وما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية؟
يحيى شوكت: مثلما تعبر مصر في مرحلة إنتقالية من نظام إلى نظام آخر، مررت أنا في مرحلة إنتقالية من شخص يعمل على مستوى المسكن والغرفة والعمارة إلى شخص يرغب في العمل على مستوى المجتمع العمراني أو حتى القومي والتخطيط والسياسات العمرانية. فتطلبت هذه المرحلة الإنتقالية فترة من البحث والمراقبة لحال العمران لتحديد ما الذي أودّ أن أقوم بالتركيز عليه في الفترة القادمة، فالكتاب بالنسبة لي يمثل نقطة إنطلاق أوbaseline للعمل منها.
جدلية: ماهي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
يحيى شوكت: كانت هناك تحديات كثيرة. أولها، إختيار وتصنيف القضايا العمرانية، وتحديد أولوية ما هو ملحّّ وأساسي، وما يمكن تناوله في المستقبل. فكان المقصود أن يكون الكتاب دليلاً خفيفاً تتمّ قراءته سريعاً، ولكن سرعان ما توسعت آفاقه وزادت صفحاته. التحدي الآخر كان توفر المعلومات. فهناك معلومات لم أتمكن من الوصول إليها، أما لأنها غير متوفرة على حد علمي لعدم قيام أي جهة بالبحث عنها، أو لأنها غير متاحة للعامة. ولكن كان هناك أيضاً بعض المفاجآت حيث حصلت على معلومات لم أكن أعتقد أنها متاحة. بالإضافة الى ذلك، قمت بجمع بعض المعلومات بنفسي حتى أتمكن من الإستمرار بالعمل.
موجز عن الكتاب
1. إدارة العمران
يبحث هذا الباب علاقة السكان بعمرانهم من خلال قنوات الإدارة الرسمية، كما يتطرق لحلول تعطي المواطن حق المشاركة في صنع القرار وتحديد مصير مجتمعه العمراني. بالرغم من أن غالبية المصريين يسكنون في مجتمعات عمرانية بأشكال وأحجام مختلفة، لا يدري معظمنا كيف تعمل هذه المدن المليونية والقرى الألفية. فنحن نترك منازلنا في الصباح، ننتظر المواصلات على النواصي، ثم نمضي في رحلتنا اليومية إلى العمل أو الجامعة أو المدرسة، نقضي يومنا هناك ثم نعيد الرحلة بالعكس. في منازلنا نشاهد التلفزيون، ونذاكر في أضواء خافتة ونجهز العشاء على مواقد غاز ونغسل المواعين والملابس بمياه نتمنى أن تكون نظيفة. في غضون الساعات الأربع والعشرين من اليوم، نستخدم الطرق والمواصلات والمياه والكهرباء، ولا نترك العمران لحظة. تعمل هذه المكونات أحيانا وتتوقف أحياناً أخرى، أو حتى تنهار. وعندما تتعطل الطرق أو تختفي المواصلات أو تتلون المياه أو تنقطع الكهرباء أو تنهار المباني، نلجأ إلى الحكومة المركزية في العاصمة حيث أننا نعلم جيداً أن المسؤولين المحليين لا يملكون صلاحيات تغيير الواقع العمراني، لذا يتقبل المواطنون أوضاعهم السيئة أو يلجأون الى التظاهر وقطع الطرق في محاولة لجذب أنظار المسؤولين في القاهرة. ولكن هل هذا الوضع طبيعي؟
أولاً، لا يحظى العمران بهيكل إداري يتناسب ومتطلبات المواطنين الذين يسكنونه. ففي المدن والقرى القائمة توجد الإدارات المحلية المختلفة من مديريات وهيئات وشركات، ولكن مسؤولياتها العمرانية تقلصت عبر العقد الماضي حيث أنّ شركات الكهرباء والمياه مثلاً آلت إلى الحكومة المركزية. أما غالبية المكونات الأساسية للعمران، فتتوزع على وزارات قطاعية خمس مسؤولة عن توفير الخدمات وصيانة المرافق من خلال أذرع محلية تابعة لها مباشرة وبالإشتراك مع الإدارات المحلية. بالإضافة الى ذلك، هناك نظام آخر موازٍ يخص المدن الجديدة التي تتبع مباشرة وزارة الإسكان. وبدلاً من المحليات، يوجد ما يسمى بأجهزة المدن الجديدة التي تعمل الوزارات القطاعية من خلالها لتأسيس المرافق وتقديم الخدمات. ثانياً، الميزانية المخصصة للعمران محدودة حيث أن متوسطها خلال الأعوام الخمسة الماضية كان فقط 10 ٪ من الموازنة العامة. كما أنّ الوزارات القطاعية تهيمن على 92 ٪ من ميزانية العمران تاركة 0.9 ٪ يتوزع على الـ27 محافظة. يزداد الواقع سوءاً حين نتطرق إلى التوزيع الجغرافي والعمراني لهذه الميزانية. فمن جهة، هناك غياب في تناسب الميزانيات المخصصة لمحافظات بعينها، خصوصاً العاصمة، مقارنةً بعدد السكان، كما أن نحو 22 ٪ من ميزانية الإسكان ومياه الشرب والصرف الصحي يخصص للمدن الجديدة التي يسكنها أقل من 2 بالمئة من الشعب.
وهنا قلب الموضوع، فغياب العدالة الإجتماعية في توزيع موارد العمران هو نتيجة مباشرة لغياب مشاركة المجتمع في إدارة العمران وفي الرقابة على الموارد المخصصة له. وساهم هذا الخلل في تكوين مجتمعات قائمة على مجهودات سكانها الذاتية وتفاوت درجات التعامل مع أجهزة الدولة المعنية، وغالباً من خلال كيانات شبه رسمية لها نفوذ مجتمعي أو سياسي أو مالي مثل الروابط أو الجمعيات الخيرية أو نواب مجلس الشعب.(1) كذلك على المستوى الإداري، تبدو عملية إدارة العمران مشتتة بين كوكبة من أجهزة الدولة المختلفة التي لا تعمل في إطار واحد منظم رغم تبعيتها للحكومة المركزية. فحتى وإن أصبح هناك فرصة للتمثيل، فإنّ الإختصاصات والصلاحيات مبعثرة ولا تعبر من بوابة واحدة. فأصبحت البيروقراطية المركزية عنصراً أصيلاً في جزء من الحضارة المصرية، وأصبحت مصر مجتمعاً "حكومياً"، فالحكومة وحدها تملك زمام المبادرة الرسمي وإمكانية العمل.(2) ولكن هناك جموع من المصريين بادروا إلى بناء مجتمعاتهم العمرانية بمجهوداتهم الذاتية خارج الإطار الرسمي للدولة في ظل تمنع الحكومة عن المبادرة وتطبيقها لأسس وسياسات بعيدة عن شعبها.
2. التخطيط والحق في الأرض
يتناول هذا الباب علاقة الأرض بالتخطيط العمراني والإقليمي، ويبرز المتاح من معلومات عن غياب العدالة الإجتماعية والحقوق في الأرض وغياب إشراك ومشاركة المجتمع في عملية التخطيط. تمثل الأرض المورد الأم والمكون الأساسي للعمران، فبدون أرض يستحيل بناء المسكن أو توصيل المرافق أو تشييد طرق للتنقل والتواصل بين المجتمعات العمرانية. بدون أرض، تختفي المساحات العامة والمدارس والملاعب. فبذلك يصبح الحق في الأرض جزءاً لا يتجزأ من الحق الأشمل في السكن وما سُمي لدى حركات التحرر في أميركا اللاتينية بـ"الحق في المدينة". أعطت الدولة المصرية الأرض قيمة لا مثيل لها،(3) وتحكمت البيروقراطية المركزية فيها عبر القرون من خلال جيش من مهندسي المساحة، الذين وقعوا جميع الملكيات ودونوها على خرائط دقيقة ترسم أراضي مصر. ولكن رغم وفرة الأراضي الصحراوية الخالية، ظللنا نتزاحم في الوادي القديم ودلتا النيل، أي المناطق المتضخمة سكانياً، ففشلت جميع المشاريع القومية التي ادّعت حلاً عبر ما سمته إعادة توزيع السكان منذ الستينيات وحتى اليوم، والتي تبنت فكر "اعادة توزيع السكان" على الصحاري غير المأهولة، وكأن السكان قطع من الشطرنج.
وهنا نلاحظ المشكلة. فعملية التخطيط الفوقي، أي مدرسة التخطيط السائدة في مصر التي تتسم بالحداثة المتعالية،(4) لا تعتبر سكان المجتمعات والأقاليم المختلفة طرفاً في عملية التخطيط، متجاهلة قروناً من خبرتهم المحلية ومتانسيةً إحتياجاتهم الفعلية. بالإضافة الى ذلك، أصبح للأراضي الخالية قيمة سوقية متضخمة تصل لنحو ضعف قيمة ترفيقها، حيث إتبعت الدولة منهجية لتسليع هذه الأراضي من خلال التحكم المنفرد لأجهزة الدولة المركزية بعملية توفير أراضي مرفقة في سوق مفتوح دون أية قيود تحمي القوة الشرائية لمحدودي الدخل رسمياً أو تخصص لهم نسبة تلائم وزنهم النسبي في المجتمع. وهذا بالاضافة الى عدم صلاحية التنمية العمرانية التي إعتمدت على بناء مدن جديدة منعزلة وغير ملائمة لغالبية المواطنين، مادياً ومكانياً ثقافياً.
وبعد عقود من إتجاه الدولة لإستثمار الأراضي الصحراوية، عادت لتسلط انظارها على العمران القديم لتحوله سلعة. فمن خلال برنامج قومي لتطوير ما رصدته أجهزة الدولة كمناطق عشوائية خطرة، ومن خلال خطط عمرانية مثل القاهرة 2050، وطريق الكباش بالأقصر، ظهر طمع الدولة في أراضي المهمشين الذين يسكنون في مناطق واعدة إستثمارياً داخل المدينة، فتمّ استغلال قانون نزع الملكية للمنفعة العامة لتبرير إخلاء مئات الآلاف من المواطنين، وإما إعادة توطينهم الجبرية أو إخلائهم القسري دون تعويض يذكر لإفساح الطريق لمثل هذه المشاريع التي لا تعود عليهم بمنفعة، عامة كانت أو خاصة.
3. مجتمعات محرومة والحق فى العمران
في الوقت الذي يتدهور فيه وضع مدن مصر وقراها، تزداد حالة عدم إستقرار المواطنين في موطنهم. فالأخطار المختلفة والحرمان من المرافق الأساسية تهدد مجتمعات عدة، مما يؤثر سلباً على مستوى معيشتها ويدفع سكانها إلى هجرتها، طوعياً أو قسرياً. فهناك الآلاف من الأسر المهددة بالإخلاء في أي لحظة، كما تسكن مئات الآلاف من الأسر في رعب إنهيار مسكنها نتيجة عوامل عدة. ورغم إنفاق المليارات في مرافق مياه الشرب والصرف الصحي والطاقة، تعاني ملايين الأسر من نقص في هذه الخدمات الأساسية، وأحياناً يكون هذا الحرمان متعمداً. تمثل المجتمعات العمرانية غير المستقرة هذه مليارات الجنيهات من إستثمارات أهاليها. رغم هذا، لا توجد خطة واضحة لإعادة الإستقرار لساكني هذه المجتمعات والحدّ من الأسباب التي أدت إلى تهديد استقرارها.
الحقيقة أن محددات التنمية العمرانية في مصر مبنية على أسس سياسية وليس على أسس علمية، والبرهان هو التمييز في التنمية بين المجتمعات على أكثر من مستوى. فعلى مستوى المحافظات يتحسن حال العاصمة والإسكندرية، ثاني أكبر مدن مصر، ويتوقف الزمن في باقي مدن مصر. أو يحدث هذا الخلل بين الحضر (43 ٪ من السكان) الذي يشهد مشاريع التطوير والتنمية، والريف (57 ٪ من السكان)، الذي تغيب عنه الإستثمارات القومية الهادفة. أو بين المجتمعات العمرانية الجديدة من المدن الجديدة وقرى الظهير الصحراوي التي حازت على نصيب الأسد من موازنات التنمية العمرانية رغم عدم تعدي عدد سكانها 2 ٪ من سكان مصر، وبين المدن والقرى القائمة التي تترك لتتدهور. أو داخل المدن نفسها يتباين حال الأحياء الراقية والرسمية، مع حال الأحياء الشعبية وبالذات غير الرسمي منها، التي تضم غالبية سكان المدينة.
إختلاط التخطيط بالسياسة يرجع لعهد نشأته، فالدولة وأجهزتها هي الجهة الوحيدة المعنية بالتخطيط. ولكن في غياب ديموقراطية تشاركية فعّالة على المستويين القومي والمحلي، إنفردت الدولة في أخذ ما رأته مناسباً من قرارات بمعزل عن الوضع الراهن الذي من المفترض أن تحسنه هذه القرارات، ومضت في قرارات مماثلة جديدة بغض النظر عن مدى نجاح أو فشل القرارات السالفة. فتم تهميش غالبية سكان مصر على حساب القلة، وإنحصر مفهوم التنمية العمرانية داخل إطار سياسي فضفاض يرى العمران من منظور ظلال القانون؛ الرسمي مقابل غيرالرسمي، أو المتحضر مقابل الريفي، أو المنظم مقابل العشوائي، المتقدم مقابل الشعبي. فبات هناك عمران الحكومة الذي يضم مناطق من عاصمة الدولة أو عواصم المحافظات، والذي تقوم أجهزة الدولة بتنميته ومتابعته، وعمران الشعب أي المساحات المفتقرة للتنمية والخدمات من المدن وقرى ريف مصر، التي تم بناؤها بمجهودات أهاليها الذاتية، والتى يتم وصفها من قبل الدولة والإعلام بـ"البؤر الإجرامية" و"الأحزمة الناسفة"، ويتم وصف سكانها بـ"البلطجية". بالإضافة الى سياسات التنمية، أدت السياسات الإقتصادية النيوليبرالية إلى دفع عملية تسليع الأراضي والسكن، وتركها لأهواء سوق غير منظم، مما سمح بتضخم أسعار السكن، الرسمي منه وغير الرسمي، وفرض على ملايين الأسر المصرية السكن بمجتمعات أو مساكن غير مستقرة نظراً لإنخفاض قيمتها بالمقارنة مع السكن المستقر. أدى انحصار تقييم المجتمعات العمرانية على أساس سياسي، إلى نشوء صورة غير دقيقة لعمراننا ومشاكله. وترتب على ذلك أخذ قرارات وتنفيذ خطط نكتشف بعد تنفيذها أنها في أحسن الظروف لم تكن بالكفاءة التي وعدت بها، وفي أسوأها، لم يستفد منها أحد يذكر. فغياب خطط تنمية مبنية على معايير تقييم واضحة تعكس الواقع، أدى إلى غياب العدالة في توزيع إستثمارات وموارد الدولة. ويتضح هنا أن المشكلة ليست في فقر موارد الدولة، وإن كان بعض الميزانيات متواضعاً، ولكن القضية الحقيقية هي غياب العدالة في توزيع الإستثمارات والموارد، سواء بين المحافظات، أو بين أحياء مختلفة داخل مدينة واحدة.
4. الحق في مسكن ملائم
تمثل قضية المسكن الملائم في مصر المحور الأساسي لقضية الحق في السكن. فبالمقارنة مع دول أخرى فقيرة، يُعدّ مستوى المسكن مقبولاً بصفة عامة، حيث أن غالبية الوحدات السكنية مبنية من مواد صلبة مثل الحجر والخرسانة، ولها درجة كبيرة من الأمان الإنشائي، كما أن متوسط مساحات المسكن هو في الحدود المقبولة، والأمر نفسه ينطبق على معدل التزاحم.
ولكن ما خلف هذا التصور المقبول لأرقام متوسطات في دولة من نحو 18 مليون أسرة؟ هذه المتوسطات تخفي حقيقة الأمر بالنسبة لملايين الأسر التي تقطن في مساكن غير ملائمة، إن من حيث عدم تناسبها مع الدخل مما يمثل عبئاً مستمراً، أو من حيث الموروث الثقافي والمجتمعي مما يسبب مشاكل إجتماعية، أو من حيث البعد الإنشائي والهندسي مما يهدد أمن الأسرة وإستقرارها. فمصر ليست دولة فقيرة في موارد المسكن؛ مواد البناء الأساسية من أسمنت وحديد وطوب وحجر يتم تصنيعها محليا ومن مواد أساسية أغلبها متوفر محليا، كما أن هناك وفرة من المهندسين الإنشائيين والمعماريين، بالإضافة إلى وجود أكواد وأسس علمية لتصميم وبناء المسكن الملائم. فموقف هذه الأسر، وإن كانت نسبتهم في حد ذاتها ليست نسبة كبيرة، غير مقبول في بلد تتوافر فيه هذه الموارد المادية والبشرية، مما يشير إلى غياب العدالة في توزيع هذه الموارد وتوفيرها بين فئات المجتمع المختلفة.
هوامش:
(1) هيئة المعونة الأمريكية، دراسة الإسكان بحضر مصر، 2008.
(2) هيئة المعونة الأمريكية، دراسة الإسكان بحضر مصر، 2008.
(3) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، توزيع عدد الوحدات السكنية بمباني السكن العادة طبقاً لنوع الوحدة الاستخدام الحالي للوحدة، 2006.
(4) هيئة المعونة الأمريكية، دراسة الإسكان بحضر مصر، 2008.